6 كائنات من أفضل المخادعين في الطبيعة (صور)
فيما يلي سنستعرض وإياكم خمسة حيواناتٍ ونباتاً واحداً، تستفيد كلها من الأحياء الأخرى في بيئتها من خلال المشاركة في طقوس الزواج أو العلاقات بين الأنواع الهجينة لأجل مصلحتها الخاصة، وأستطيع وصف تلك الكائنات بـ”الكائنات الغشاشة“.
1. ثاقب الأزهار الرمادي:
لا تستطيع النباتات أن تخلق أرجلاً تساعدها في التنقل في الأرجاء بحثاً عن شريك، إنها ثابتة تماماً في مكانها، لذا فقابليتها للتكاثر، بالنتيجة، تعتمد غالباً على إغراء الملقِّحين، وهي الأحياء التي تأخذ حبوب الطلع من زهرة على نبات ما وتضعه في زهرة أخرى على نبات آخر (أي باختصار، يأخذون تلك الحبوب من مآبر زهرة إلى مياسم زهرة أخرى على نبات آخر).
تتمتع الأزهار بخدع كثيرة تجذب من خلالها تلك الملقحات، كالألوان البراقة، والروائح العطرة والسائل السكري المدعو بالرحيق.
تغمس الحشرات، وطيور الطنان، وحتى الخفافيش وجوهها في الأزهار لتنهل بعضاً من الرحيق الحلو جداً، لكن بالنتيجة، تعلَق حبوب الطلع على كامل أجسامها، لكن بعض الحيوانات، ممن تعرف باسم ”لصوص الرحيق“، طورت استراتيجيات خبيثة تمكنها من الحصول على مبتغاها دون أن تساعد النباتات.
واحد من تلك اللصوص هو (ثاقب الأزهار الرمادي)، وهو طائر صغير يعيش في أمريكا الوسطى، وتكمن حيلتهُ في الجثوم على ساق النبات، ثم يستخدم منقاره المعقوف لصنع ثقب في قاعدة الزهرة، وبوساطة لسانه يقوم باستخراج الرحيق دون ملامسة مآبر الزهرة نهائياً.
تنجح هذه الطريقة في السرقة على جميع الأزهار، مانحةً هذه الطيور فائدةً إضافية: المرونة!
عادةً، ينبغي على الملقحين التخصص تجاه رحيق محدد، حيث تكون مناقيرهم أو خراطيمهم مناسبةً لأشكالٍ وأحجامٍ محددة من الأزهار، وبرغم هذا، يستطيع ثاقب الأزهار نخرَ أيِّ زهرة يريدها من أجل الحصول على الغذاء الشهي، لذا تواجه الأزهار معضلةً تطورية معقدة: فهي تحتاج لأن تدافع عن نفسها ضد سارقي الرحيق من خلال تمييع رحيقها لجعله أقل جاذبية لهم من جهة، لكن يجب على الرحيق أن يكون حلواً بشكل يكفي لكي لا يُضعِفَ اهتمام الملقحين، كطيور الطنان، من جهة أخرى.
على الأقل، تعتبر وسيلة ثاقب الأزهار في الاقتحام والدخول ناجعةً، إلى الآن، في الغابات الاستوائية لـ(كوستاريكا) و(باناما)، فالجائزة التي يتحصل عليها هذا الطائر بالنتيجة هي الرحيق الحلو جداً.
2. سمكة اللبروسية المنظفة:
بالنسبة لهذه السمكة فالجائزة التي تحصل عليها من خلال طريقتها في الغش هي المخاط المغذي الذي تسرقه من أبدان الأسماك الأخرى.
تعيش هذه السمكة الصغيرة المخططة في الشعاب المرجانية، وتحصل على قوتها اليومي عن طريق تقديم خدمة لأسماك الشعاب المرجانية الأخرى.
تأتي سمكة من نوع آخر إلى أماكن تدعى ”محطات التنظيف“، وتسمح لأسماك اللبروسية المنظفة بنزع وتناول الطفيليات القشرية التي تعلق بحراشفها، وبهذا، تحصل أسماك اللبروسية على وجبة سهلة من جهة، وتتخلص الأسماك الأخرى من الطفيليات المزعجة من جهة أخرى.
لكن أين تكمن حيلة ومكر أسماكنا المنظفة هذه؟ في الواقع، وأثناء نزعها للطفيليات عن الأسماك الأخرى، تعمد أيضاً على أخذ قضمات صغيرة من المعطف المخاطي الواقي الذي يغطي زعانف ”زبائنها“ من الأسماك، وفي تجربة خُيِّرَت فيها أسماك اللبروسية بين أطباق من مخاط أسماك الببغاء، وأطباق من الطفيليات، فضَّلت المخاط المغذي على الطفيليات.
لكن في الحياة البحرية الطبيعية، لن تزور الأسماك محطات التنظيف الخاصة بأسماك اللبروسية التي تغش بشكل متواتر، لذا ينبغي عليها السيطرة على أنفسها كي تُبقي على عودة الوجبات السهلة.
من ناحية أخرى، تميل هذه الأسماك للعمل ضمن أزواج، وفي حال قام أحد الشريكين بالغش فإنه سيعاقب من طرف شريكه الآخر الذي لن يقبل أن يخسر ”الزبائن“ من أجل تصرف شريكه السيئ، ففي حال قيام أحدهما خلسةً بقضم المخاط وأدى ذلك لابتعاد وهروب السمكة الزبون، سيعمل الشريك الآخر على ملاحقة شريكه بعنف كتأنيب مشابه لـ:”أنت، توقف عن ذلك فوراً.“
3. شحرور البقر بني الرأس:
إنَّ نقل جيناتك إلى جيل آخر يتطلب عملاً كبيراً، إذ سيكون عليك لاحقاً إطعام أبنائك، وتأمين المأوى لهم، وحمايتهم من المفترسين، لكن بعض الطيور المخادعة ابتكرت طريقةً للالتفاف حول عمل الحضانة الشاق، لماذا تكلف نفسها عناء قضاء الأسابيع في تربية فراخها طالما تستطيع حشر بيضها في عش طائرٍ آخر يتولى المهمَّة نيابةً عنها؟
يدعى هذا التصرف بـ”تطفل الحضانة“، وإنّ أكثر الطيور شهرة به هي (شحارير البقر بنية الرأس)، ففي حين لن تحتاج الأنثى لإضاعة أيّ وقتٍ أو طاقةٍ في تربية صغارها، فهي تستطيع بذلك إنتاج الكثير من البيض في فصل صيفٍ واحد، حيث تضع الأنثى كل بيضة في عش لطيور مغرِّدة أخرى، وذلك في الوقت الذي يجعل تقبلها من قبل الطائر المضيف أمراُ ممكناً.
يفقس فرخ شحرور البقر قبل بقية الفراخ في العادة، ويتصرف كقاتل صغير أحياناً إذ يدحرِج البيوض خارج العش مزيلاً المنافسة على الغذاء والرعاية من قبل الأبوين بالتبني، وإذا لم يقم بذلك، فلا مشكلة، حيث تميل الفراخ للنمو أسرع من بقية فراخ الطائر المضيف، ما يجعلها تتنمر على تلك الفراخ الصغيرة مبعدة إياها عن مشاركة الغذاء.
للأسف، فراخ الطيور المغردة التي كانت غير محظوظة بوجود أخ غريب تتم رعايته من قبل أبويها، نادراً ما تعيش مدة كافية تجعلها قادرةً على الخروج من العش.
خلق الوضع السابق سباقاً في التسلُّح التطوري: ففي حال اكتشف الطائر المضيف بيضة طائر متطفل على الحضانة في عشه، سيقوم بنفي الكائن الدخيل حتى قبل أن يفقس، لذا طورت العديد من الطيور المتطفلة آليات لكي تُنتِجَ بيضاً يبدو تماماً كالبيض الذي يضعه الطائر المضيف. وفي المقابل، أصبحت مهارات الطيور المضيفة أفضل في التعرف على البيوض الدخيلة.
لكن لدى شحرور البقر بني الرأس أفضلية غير عادلة في هذا السباق، وللبشر يدٌ في ذلك! حيث تُفضل هذه الشحارير المواطن ذات الأغصان المقطوعة، وحواف الغابات، والتي تظهر بسبب تجريفنا للغابات من أجل توسيع مكان إضافي للعمران.
بالنسبة للطيور المغردة التي تتعرض لفقدان مواطنها حالياً، فإنها حتى في حال إيجادها بقعة مقبولة لبناء عشها، ستجد نفسها تقوم بتربية وحش في النهاية!
4. الضفدع الساتلي:
تستخدم الكثير من ذكور الضفادع والعلاجيم صوتاً لجذب الأنثى، ففي كلِّ ربيع تتجمع هذه الذكور في البرك والمستنقعات ليلا مصدرةً نداءات التزاوج.
تصغي الإناث لخياراتها من النداءات ثم تتجه نحو الذكور صاحبة النداءات الأطول أو الأعلى، لذا فإنّ الذكور التي تنجح في ذلك تكون ذات صحة وتغذية جيدتين، وتستطيع أن تمنح صغارها أفضل صفات ممكنة.
لكن ذكور بعض أنواع الضفادع تقوم بالغش واستخدام استراتيجية تمكنها من إيجاد شريك دون إصدار نقيق واحد!
تنتظر هذه الذكور الساتلية بهدوء بالقرب من ذكور تصدرُ أصواتا ذات أفضل جودة، وعند اقتراب الأنثى من أجل التحقق من الضفدع الحقيقي، ينقض الضفدع الساتلي المتخفي ويتصل بالأنثى جنسياً بدلاً من الضفدع المنادي المرغوب من قبل تلك الأنثى.
في الواقع، تقوم بعض ذكور الضفادع بالتبديل ذهاباً وإياباً بين كونها ضفادع منادية وساتلية، وذلك بالاعتماد على من يتواجد أيضاً في البركة.
وجدت تجارب على ضفادع الأشجار الأوروبية، على سبيل المثال، أنَّ الذكور كانت تلتجئ غالباً للاستراتيجيات الساتلية عندما تكون صغيرة الحجم، وهو ما صعَّب عليها إصدار أصوات جذابة فعلاً.
أيضاً، ومن جهة أخرى، استمعت الضفادع للنداءات الصادرة من الجوار، وعندما كانت تلك النداءات غير منافسة لها، بدأت تلك الضفادع بالنقيق مرة أخرى أيضاً.
5. اليراعة اللعوب القاتلة:
تستخدم اليراعات أنماطاً محددة من الوميض لإيجاد الشريك، ويمتلك كل نوع منها شيفرته الخاصة في الوميض التي تساعده في اتقاء حوادث التهجين بين الأنواع، لكن واحداً من هذه الأنواع اختار المشاركة بهذا لأغراض شائنة.
تقوم إناث يراعات (الفوتوريس) Photuris، بمحاكاة الومضات الخاصة بنوع آخر من اليراعات، وهو يراعات الـ(فوتينوس) Photinus، فعندما تجذب تلك اليراعات الغشاشة ذكور النوع الآخر، تقوم بقتلها وأكلها! لكن هنالك ما هو أكثر من مجرد الحصول على وجبة سهلة من ذلك.
في الواقع، تمتلك الضحايا مواد كيميائية تدعى الـ(لوسيبوفاجينات) Lucibufagins في دمها، وهي ما سندعوه اختصاراً LBGs، وهي عبارة عن ستيروئيدات تشبه إلى حدِّ ما السموم التي توجد عند بعض أنواع العلاجيم، وهنا تكمن الفائدة!
عندما تتعرض هذه اليراعات للخطر من قبل المفترسات كالعناكب والطيور، تعمل على إفراز قطرات من دم مليء بالـLBGs، وهذا ما يدُعى بـ”النزيف اللاإرادي“، حيث تلجأ اليراعات لذلك من أجل إخبار مفترسيها: ”أنا مقرفة، لا تأكلني.“
لا تستطيع اليراعات اللعوب القاتلة إنتاج تلك الكيميائيات الدفاعية من تلقاء نفسها، لذا ينبغي عليها تناول أقاربها الذين يتمتعون بتلك المواد لتحظى بالحماية المطلوبة.
توصَّل إلى ذلك مجموعةٌ من الباحثين من جامعة (كورنيل) Cornell باستخدام سلسلةٍ خلَّاقةٍ من التجارب، حيث بدؤوا بالتقاط نوعي اليراعات المذكورَين، ثمَّ عمِلوا على قياس مستويات الـLBGs عند اليراعات اللعوب القاتلة (النوع Photuris) قبل وبعد إطعامها ذكور النوع (Photinus).
حاول الباحثون أيضاً إطعام يراعات مختلفة لـ(العنكبوت القافز)، مؤكدين على أنَّ العناكب لن تتناول حشرات تتمتع بمستويات عالية من الـLBGs في دمها.
بذلك، ليست الأرامل السوداء الإناث الخطيرة الوحيدة هنا، حيث تضعها يراعات (الفوتوريس) في منافسة صعبة الفوز.
6. أزهار الـ(أوركيد الفارغة):
الطبيعة ليست مليئة فقط بالحيوانات التي تقوم بالغش، إذ تقوم بعض النباتات بذلك أيضاً.
قد تحدثنا عن قدرة الطائر ثاقب الأزهار الرمادي على ثقب أية أزهار يريدها لجذب الرحيق، لكن هنالك نبات (أوركيد) في جنوب أفريقيا قد قلبَ ذلك السيناريو! إذ يخدع الحشرات من أجل نقل حبوب الطلع، لكنه لا يوفِّر لها أيَّ شيء بالمقابل.
وكما ذكرنا سابقاً، فإنَّ هناك بعض الحشرات قد تخصصت في تلقيح نباتات محددة، يُدعى ذلك بـ”التطور الترافقي“، تصبح النباتات بمرور الوقت فعالة جداً في جذب وتوفير العائد لنوع محدد من الحشرات، وتصبح الحشرة، في المقابل، فعالةً جداً في تلقيح ذلك النوع من النباتات.
ذلك هو الحال بالنسبة لنبات Z. Microsiphon في جنوب أفريقيا، والذي يُنتِج أزهاراً أنبوبية طويلة؛ تُلقَّح تلك الأزهار من قبل نوع واحد من الذباب الذي يمتلك خرطوماً طويلاً جداً يمكنه من الوصول عميقاً في الأنبوب البتلي للزهرة لارتشاف الرحيق.
يستفيد كلا النوعان من تلك العملية، إذ تحصل الذبابة على وجبتها، ويحصل النبات بالمقابل على التلقيح المطلوب كي يتكاثر.
لكنَّ نوعاً آخر من النباتات يحقق استفادة إضافية من تلك العملية التشاركية، فهنالك نوع نادرٌ من الأوركيد ينمو بجانب النوع Z. Microsiphon في بعض المناطق.
تبدو أزهار ذلك النبات مشابهةً لأزهار Z. Microsiphon بشكل مثير للريبة، فهي أنبوبية طويلة، وبلونٍ أبيض ووردي، كما أن هذا النبات يقوم بمحاكاة أبسط الاختلافات في أزهار Z. Microsiphon كي يشابه تلك الأزهار الموجودة بقربه بالتحديد، لكنَّ أزهار ذلك الأوركيد جافة، إذ لا يوجد فيها أيُّ رحيق أبداً.
إذاً، كلُّ ذلك عبارةٌ عن خداع فقط! يجذب ذلك الأوركيد الحشرات المُلقِّحة دون أن يبذلَ أيِّ مصادر لإنتاج الرحيق.
المصدر: قناة SciShow على يوتيوب+موقع دخلك بتعرف